القائمة الرئيسية

الصفحات

الإجماع وحجيته وأنواعه

 

 الإجماع وحجيته وأنواعه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي خلق الانسان علمه البيان وانعم عليه بالإيمان والإحسان في كل زمان ومكان ،والصلاة والسلام على أشرف بني عدنان أما بعد فهذا عرض بعنوان باب الإجماع من كتاب مراقي السعود لعبد الله العلوي.

أولا : تعريف الإجماع :

أ_ الإجماع في اللغة: الإجماع من الألفاظ المشتركة في وضع اللغة بين معنيين:

الأول: العزم. يقال: ((أجمع فلان على كذا)) إذا عزم عليه، وجاء في الحديث "لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل" أي لم يعزم الصيام من الليل

وورد في الكتاب الكريم {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ}  أي اعزموا عليه.

الثاني: الاتفاق، يقال: ((أجمع القوم على كذا)) إذا اتفقوا عليه.

يقول في المراقي :

هو    الاتفاق   من    مجتهدي                        الأمة من بعد وفات أحمدي

ب-: اصطلاحا: هو اتفاق مجتهد الأمة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في عصر من العصور على أمر من المور الشرعية .

ثانيا: حجية الإجماع.

ذهب المتكلمون بأجمعهم والفقهاء بأسرهم على اختلاف مذاهبهم إلى أن الإجماع حجة، وحكى عن النظام وجعفر بن حرب وجعفر بن مبشر أنهم قالوا: الإجماع ليس بحجة.

وسأعرض أهم أدلة جمهور العلماء على حجيته ثم أذكر وجهة نظر القائلين بعدم حجيته.

1- أدلة القائلين بحجيته:

أ- أدلتهم من الكتاب الكريم:

استدل أئمة المذاهب وجمهور العلماء بآيات عدة من الكتاب الكريم، منها بل أهمها :

- قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} .

قالوا سبيل المؤمنين هي الإجماع وقد توعد من خالفه بجهنم ولا يتوعد من خالفه إلا على فعل محرم فدل ذلك على أن ترك الإجماع محرم .

 فقد روي أن الإمام الشافعي رحمه الله _ عندما سئل عن آية في كتاب الله تدل على أن الإجماع حجة لزم داره ثلاثة أيام مفكرا وقرأ القرآن عدة مرات حتى وجد هذه الآية، ومع ذلك فقد قرر كثير من الأعلام أن الآية ليست نصا في الدلالة على حجية الإجماع

- ومنها قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر}

الاستدلال بالآية: _أن الله _ تعالى _ قد وصف هذه الأمة بالخيرية، وهذا الوصف يقتضي أن ما اتفقوا عليه يكون حقا واجب الإتباع، لأنه إذا لم يكن حقا كان ضلالا {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} 4.

قال الشوكاني في وجه الاستدلال بهذه الآية: "هذه الخيرية توجب الحقيقة لما اجمعوا عليه، وإلا كان ضلالا"

- ومنها قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}

وجه الاستدلال:_"إن الله _ تعالى _ نهى عن التفرق، ومخالفة الإجماع تفرق، فكان منهيا عنه، ولا معنى لكون الإجماع حجة سوى النهي عن مخالفته"

ب- أدلتهم من السنة :

استدل جمهور العلماء وأئمة المذاهب بجملة أحاديث مروية عن عدد من كبار الصحابة _ رضوان الله عليهم _ منها:

1_ "لا تجتمع أمتي على الخطأ".

2_ "لا تجتمع أمتي على الضلالة".

3_ "ولم يكن الله ليجمع أمتي على الضلالة".

4_ "لم يكن الله ليجمع أمتي على الخطأ".

وجهة نظر القائلين بعدم حجية الإجماع.

عرفنا أن النظّام وآخرين ذهبوا إلى أن الإجماع ليس حجة شرعية، وأدلتهم تتلخص في الآتي: _

1_ أن تحقق الإجماع وثبوته يتوقف على معرفة كل واحد من أهل الإجماع ثم على وصول الواقعة إليهم، ومعرفة رأي كل منهم، وهذا أمر غير ممكن عادة نظرا لانتشارهم في البلدان الإسلامية وبعد المسافة بينهم.

2_ أن معاذا _ رضي الله عنه _ لم يذكر الإجماع من المصادر التي يصح الاعتماد عليها في تشريع الأحكام، بل اقتصر على الكتاب والسنة والاجتهاد، وذلك عندما وجهه رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ قاضيا إلى اليمن وسأله بماذا تقضي..3 وأن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ أقره على ذلك ودعا له، وحمد الله على توفيقه. فلو كان الإجماع من مصادر الأحكام لذكره معاذ ولما ساغ له تركه مع حاجته إليه، ولما أقره النبي _ عليه السلام _ على تركه

3_ قالوا: إن الإجماع لا يخلو إما أن يكون عن دليل قطعي أو عن دليل ظني، فإن كان عن دليل قطعي، أحالت العادة عدم الإطلاع عليه، وعلى تقدير الإطلاع عليه يكون هو مستند الحكم وليس الإجماع، وإن كان عن دليل ظني فإن العادة تمنع اتفاقهم لاختلاف القرائح والأنظار.

وبهذا يتضح لنا تهافت ما أثاره القائلون بعدم حجية الإجماع من شبهات وأنها لا تقوى بحال على معارضة الأدلة الكثيرة التي احتج بها القائلون بحجيته وهم جمهور العلماء من جميع المذاهب الإسلامية.

ثالثا: أنواع الإجماع:

ينقسم الإجماع باعتبار النطق والنقل والقوة إلى عدة أقسام :

1- ينقسم من جهة نطق جميع المجتهدين أو سكوتهم إلى قسمين :

أ- الإجماع الصريح وهو القول النطقي: وهو ما صرح فيه كل واحد المجتهدين بالحكم في مسألة واتفقت أراهم ، وهذا نادر الوجود.

ب- الإجماع السكوت : وهو أن يصرح بعض المجتهدين  بالحكم ويشتهر قوله ويسكت باقي المجتهدين من غير عذر ولم يعلم  له مخالف وقد اختلف فيه هل يعتبر حجة

- ذهب جمهور العلماء إلى حجته واستلوا بسكوت العالم عن فتوى غيره يدل على موافقته إياه ، إذ لو كان يعتقد بطلان تلك الفتوى لماسكة عن الإنكار ،لأن السكوت عن إنكار الباطل محرم.

- وذهب الشافعي إلا أنه لا ينسب للساكت قول لأن العالم قد يسكت مع عدم موافقته لأسباب كثيرة منها لكونه لم  ينظر في المسالة بعد أو لخوفه من السلطان.

2- ينقسم من حيث النقل  إلى قسمين :

- إجماع منقول نقل الآحاد ولم يبلغ حد التواتر.

- إجماع نقل نقلا متواترا وحد المتواتر وهو نقل الجماعة التي يستحيل تواطؤهم على الكذب.

3- ينقسم باعتبار القوة إلى قيمين :

- إجماع قطعي: وهو الإجماع الصريح النطقي المنقول تواترا .

- إجماع ظني : وهو مختل فيه أحد ركني  الإجماع القطعي بأن كان منقولا نقل آحاد ولو كان صريحا أو كان سكوتيا ولو نقل تواترا ، أحرى إذا كان سكوتيا منقولا نقل آحاد.

رابعا: سند الإجماع:

هل الإجماع مصدر مستقل بذاته في إثبات الأحكام الشرعية في مقابل المصادر الثلاثة الأخرى، الكتاب والسنة والقياس؟ أم أنه لا ينعقد ولا يصير حجة إلا بتوسط أحد هذه المصادر؟.

1- ذهب بعض الأعلام إلى الأول وقالوا باستقلالية الإجماع وعدم حاجته إلى توسط دليل آخر يستند إليه ودليل هؤلاء:

- أن الإجماع في نفسه حجة ودليل في إثبات الأحكام فلو توقف على سند لكان هذا السند هو الحجة، وحينئذ لا يكون للإجماع فائدة.

- لو توقف الإجماع على سند لما وقع بدونه، لكنه وقع فلا يكون السند شرطا في انعقاده، ومثلوا لذلك ببيع المعاطاة فإن العلماء اجمعوا على جوازه بلا دليل.

- إن العقل لا يمنع من انعقاد الإجماع عن توفيق وذلك بأن يوفق الله _ تعالى _ أهل الإجماع في الأمة لاختيار ما هو الصواب عنده.

2- وذهب أكثر علماء الأمة إلى الثاني. أي أن الإجماع لا ينعقد إلا عن مستند، لأن حق إنشاء الأحكام الشرعية لله ولرسوله، وليس لأهل الإجماع وقالوا: إن عدم الدليل يستلزم الخطأ في الأحكام لأن الدليل هو الطريق الموصل إلى الصواب.

قال الشيخ الخضري: "لا ينعقد الإجماع إلا عن مستند لأن الفتوى بدون المستند خطأ لكونه قولا في الدين بغير علم، والأمة معصومة عن الخطأ"4.

وقال الشيخ أبو زهرة: "لا بد للإجماع من سند لأن أهل الإجماع لا ينشئون الأحكام"وأجابوا عن أدلة البعض القائل بعدم حاجة الإجماع إلى سند ودليل بما يأتي.

1_ لا نسلم عدم فائدة الإجماع مع الدليل. إذ الفائدة موجودة معه وهي سقوط البحث عن ذلك الدليل، والاكتفاء بالإجماع، وحرمة المخالفة الجائزة فيه قبل الإجماع.

2_ لا نسلم أن العلماء اجمعوا على صحة بيع المعاطاة بدون دليل وكل ما في الأمر أنهم لم ينقلوه اكتفاء بالإجماع إذ هو أقوى دلالة.

قطعية السند

اختلف القائلون بلزوم السند للإجماع في قطعية السند وظنيته.

فقال أهل الظاهر: إن مستند الإجماع لا بد أن يكون قطعيا كنصوص الكتاب ومتواتر السنة، ولا يجوز أن يكون ظنيا كخبر الواحد والقياس، لأن الإجماع قطعي الدلالة فلا ينعقد إلا عن دليل قطعي إذ غير القطعي لا يفيد القطع.

وقال الأكثرون: إن مستند الإجماع يكون قطعيا، ويكون ظنيا كخبر الواحد والقياس. وقد وضح الشيخ الخضري في كتابه أصول الفقه والشيخ فايد في محاضراته في الإجماع وجهة نظر الأكثرين بما حاصل:

1_ إن النصوص الدالة على حجية الإجماع نصوص عامة تفيد انعقاد الإجماع سواء أكان سنده قطعيا أم ظنيا، فاشتراط القطعية تخصيص للنصوص من غير دليل وذلك باطل.

2_ وقع إجماع من المجتهدين مستندا إلى خبر الواحد كإجماعهم على حرمة بيع الطعام قبل قبضه لدلالة حديث ابن عمر _ رضي الله عنهما _ "من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه"

 وكذلك انعقد إجماعهم مستندا إلى القياس كإجماعهم على تحريم شحم الخنزير قياسا على لحمه، وردوا على الظاهرية: القائلين بأن الإجماع قطعي فلا يكون إلا عن قطعي بأن قطعية الإجماع لم تثبت من جهة السند، وإلا لكان الإجماع لغوا لأن المثبت للحكم حينئذ هو الدليل القطعي وليس الإجماع.

قال الغزالي: "يجوز انعقاد الإجماع عن اجتهاد وقياس.

وقال ابن قدامة المقدسي: "يجوز أن ينعقد الإجماع عن اجتهاد وقياس ويكون حجة

والذي أراه أنّ الاتفاق إن وجد من علماء العصر فهو دليل وحجة سواء أكان هذا الاتفاق عن دليل قطعي أو ظني، لأن الحجة تنتقل من ذلك الدليل إلى الإجماع، فإن كان في الأصل قطعيا فالإجماع يفيد التأكيد والتعضيد لأنه يكون من قبيل تضافر الأدلة على الحكم الواحد.

‌‌

 

 

‌‌


أنت الان في اول موضوع

تعليقات

التنقل السريع